2024/03/19 6:59

التجسس: هل يُعَد أمرًا صحيحًا في الحياة الزوجية؟

وُهِبَ كاهن نعمةً من الله ، وهذه النّعمة تتجسّد في الحكمة الفذّة والقدرة العالية على قراءة وتحليل ما يجري في أذهان النّاس . سُئِل هذا الأخير عن كيفيّة قدرته على إتمام صلواته ، في حين أنّ الجميع من حوله ، لا يملكون أفكارًا نَيّرة وطاهرة . وجوابه، كان مُلفِتًا، وبسيطًا ؛ فصرّح أنّه عندما كان طفلًا ، تعلّم من أهلِهِ ألّا يُبسط نظره على أشياء لا تخصّه .

والمعنى الباطني من هذه القصّة ، يتجسّد في أهميّة احترام خصوصيّة الآخرين ، فالجميع يفكّرون أنّ الّذين تربطهم علاقة حميمة ، يجب أن يعرفوا أدقّ التّفاصيل المختصّة بالطّرف الآخر ، كما يجب على الآخر أن يكشفَ “جميع أوراقه ” . وتاليًا ، إنّ هذا الهَوَس القائم في عقول الأغلبيّة من النّاس ، يُزعج الطّرف الآخر ، ويُسبّب المشاكل .

لماذا نشعر بضرورة جَعل الطّرف الآخر مُلزَم بإظهار كلّ فكرة وكلّ تفصيل يدور في رأسه ؟ بالطّبع ، فنحن ننزعج ونَشعرُ بالإهانة إذا لم يُخبِرنا هذا الشّخص ، الّذي “نُحبّه” ، بكلّ شيءٍ ! أيضًا ، نلومُهُ ، لأنّه يُخفي تفاصيله الدّقيقة ، ما يجعلنا نتظاهر بأنّنا مُتَأذّون .

والتطفّل في جانب من جوانب حياة الآخر ، يُعدّ اقتحامًا لخصوصيّته ، فالعلاقة لا تزدهر ولا تتطوّر إذا اتّسمت بهذه الصّفة الّتي من شأنها أن تؤدّي إلى مشاكل مؤذية .

ولِمبدأ الخصوصيّة ، أهميّة بارزة في الحياة الزّوجيّة ، لأنّ كل طرف مدعو للانخراط في حياة الطّرف الآخر. وفي هذه الحالة ، لا نعني بتجاهل جميع تفاصيل الطّرف الآخر ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى الشكّ الأكيد .

وبالتّالي ، انفصل الكثير من الأزواج بسبب التوقّعات المُسبَقَة الّتي اصطدمت بالواقع المعكوس والأليم ، على الرّغم من أنّ الزّوجَين يُسهمان في تحقيق التّوازن في العلاقة ، من خلال توضيح مسؤوليّة كلّ منهما .

 

ومن المهمّ جدًّا ، أن نُدرِكَ أنّه من الصعب الحفاظ على “حميميّة شهر العسل” مع مرور السّنوات ، لأنّ كلّ شيء يتبدّل مع الوقت . فالعديد من الأزواج يتوقّعون أن تبقى تلك الحميميّة طوال العمر ، ويَشعرون بالإقصاء ، عندما لا يتمّ تضمينهم في كلّ جانب من جوانب حياة الشّريك .

والإنسان ، بحسب طبيعته ، يُخفي نقاط ضعفه ، مرارًا ، وتكرارًا ، وهذا لا يعني أنّ التّحقيق في حياة هذا ، أو ذاك ، يؤدّي دورًا فعّالًا في هذا المجال . وفي بعض الأحيان ، نيأَس من حياتِنا الخاصّة ، حيث إنّنا نحتاج أن نُكمِلَها بِمُفردنا . وربّما ، لا نشعر بالأمان ، لدرجة أنّنا نكون بحاجةٍ إلى اهتمام مُستمرّ ، من قِبَل الآخرين ، يُؤكّد لنا أنّنا محبوبون . ومن مظاهر التجسّس الأخرى ، السّيطرة على شريكنا وعدم الرّضى إلّا بالتحكّم الكامل به . وأيضًا ، هناك أولئك الّذين يحاولون معرفة أمور ، عن طريق الادّعاء بأنّهم يطلبون المساعدة ، ولا يزال هذا الأمر تدخّلًا غير مباشرًا ، لأنّ كل شخص يحقّ له أن يحافظ على مساحة معيّنة من الاستقلاليّة . ومن هذا القبيل ، يجب الابتعاد عن لَوم الآخر ، وهذا ما جعل العديد من الأزواج مُعتادين على البقاء معًا طوال العمر من دون أن يحذُوَ أحدهم باتّجاه الطّلاق ؛ فعند ارتكاب الأخطاء ، لا يتوقّفوا عندها ، بل يتخطّوها .

 

وصلاحيّة التجسّس تكمُنُ في محاولة إبعاد الآخر عن ارتكاب الخطأ ، فالبعض يحاول أن يحقّقَ في حياة الطّرف الآخر ، ولكنّ الأمر لا يزال ممنوعًا ، حتّى في هذه الحالة . وفي إحدى المرّات ، ارتكبَت امرأة الزّنى، فذهبَت إلى الكاهن واعتَرَفَت له بإثمها ، طالبةً منه أن يَنصحها ويُرشدها حول ما يجب القيام به . استمع إليها الكاهن ، وطلب منها العودة في اليوم التّالي . عندما عادت ، تظاهرَ بِنسيان ما أخبَرَتْهُ ، ولكنّها أخبرَتْهُ القصّة مرّة ثانية . وعندها ، لم يَقُم بِنُصحِها ، بل طلب منها أن تعود في اليوم التّالي مجدّدًا . واستمرّ

هذا الوضع لفترة من الوقت ، حتّى فهمَت المرأة أنّ الكاهن يُريد أن يغفر لها خطيئتها ، ويجعلها تتخطّاها لِتُكمل حياتها بخيرٍ ، وهذا هو العمل الصّائب الّذي يجب أن يتبنّاه الزّوجان ؛ فلا نقول هنا أن تساعد شريكك في الغَوص في إثمه ، ولكنّك لستَ قدّيسًا قادرًا على منعهم من ارتكاب الخطأ أو مسؤولًا عن تغيير طريقة تصرّفاتهم . تاليًا ، عندما يصبح الآخر شريكًا لك ، يجب عليك أن تعرف أنّه ليس شخصًا مثاليًا ، كاملًا مُتكاملًا . لذلك ، عندما يحتاج شخصٌ ما إلى عناية عاجلة ، ينبغي القيام بأيّة مساعدة ، من دون التجسّس ، فمثال على ذلك ، نذكر عندما رأى أبناء “نوح” والدهم نائمًا عاريًا ، أسرعوا لِتغطِيَتِهِ ولم يُخبروا أحدًا بهذا الأمر .

 

وعليه ، إنّ كل علاقة جيّدة ، تبدأ وتنتهي بضرورة انخراط كلّ طرف في الزّاوية أو الزّوايا المُتاحَة إليه فقط . لذلك ، ينبغي عليك أن ترى فقط ما هو مسموحٌ لك أن تراه في حياة الطرف الآخر ، وتتجاهل ما لا يخصّ أحدًا . فالعلاقة الحميمة تقوم على قبول الآخر بعيوبه وأخطائه ، وهذا هو الأمر الأساس المطلوب في كلّ علاقة ، الاحترام ثمّ الاحترام ، لِإتمام وإكمال علاقة زوجيّة متينة ، مليئة بالفرح والحبّ .

كاتب المقال

انطوان خليل: وُلِدَ في بلدة حراجل-كسروان سنة ١٩٩٩ ، تَخَرّج من مدرسة راهبات المحبّة زوق مكايل ، وحاز على الشّهادة الثّانوية من فرع الإقتصاد والإجتماع ، يُكمل دراساته الجامعيّة في الجامعة اللّبنانية ، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة ، مُتخَصِّص في مجال الأدب العربي-سنة ثانية .

عن كاتب ضيف

اتصل بنا
close slider