2024/03/19 5:00

الى النور الانساني الجديد – البروفسور هدى نعمة

الكوفيد١٩ يهدد من جديد الانسان في لبنان وعلى مساحة القرية الكونية.

والعجيب في الأمر أن الإنسان من بين كل المخلوقات ، وحده مخلوق عقلاني ، يسلي الله… والأكثر غرابة ان الله يترك ٩٩ نعجة مطيعة ويلحق بحثا عن العاصية ، والسبب؟ إن الله يريد عودة الضال … وفي زمن النكد الذي نعيشه اليوم، يشعر الإنسان أنه قد وصل إلى إحساس لا يشبه إحساس المطيع ولا الضال، فهو على الشفير، بين الحياة والموت؛ وليس اكيدا وليس نافيا، ولا يدرك ، وقد لا يستدرك…

 

ولما بنت الحداثة عالما قائما على تفوق العقل، على تأليه العلم، على نشر الأفكار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتقدمة، وعلى الاستعمار التربوي، بالإضافة إلى أنوار العصر الرقمي، وعلى اعتبار الغرب العالم المتفوق والمتقدم ، والمتحكم والمهيمن، والمتسلطن والمراقب لكل ما يجري في العالم… إلى أن رسا بكل ثقله النظام العالمي الجديد ، وحول دولا عريقة الى ساحات تقاتل، وحضارات أصيلة إلى الرجم… وتم ما جاء في نبوة العولمة من احادية مفرطة … يواجهها التطرف والارهاب كإبن سقط استعانت به لالاعيبها…

في هذه اللحظة التاريخية يطالعك وباء الكورونا ويظهر فشل العالم المتطور ، الذي اقام امبراطورية الالة المدمرة للكون ، وهو عاجز امام وباء لا تراه العين، من ان يجد له لقاحا… أقول لكم اليوم ، إن الغرب أمام سؤال كبير ! أين مقدرة العلم الذي وثق به؟ لقد سقط العلم الإله! لقد سقط الماضي!

 

لقد سقط الأمس القريب والبعيد! لقد سقط إنسان الأمس الذي قدس أفكارا لا حياة لها اليوم! وداعا للاهوت السياسي والسلطوي! وداعا للذين نصبوا العلم منصب الله! وداعا للذين نصبوا الله في موقع القاتل والارهابي!

إن العالم يتوحد اليوم وليس له من هم الا الوقاية من الجائحة التي دخلت حياتهم دون استئذان، وكل علم العالم لا يعالجها.

أنا أدعوكم، في وحدة الألم، أن تصبحوا إنسانية واحدة، أن تعززوا وحدة الكائن ، وحدة الانسان ، وأن تعيدوا الاعتبار للتسامح الفعلي، فنحن امام تاريخ جديد، بحاجة الى أناس جدد، إلى إبداعيين لا ينسخون الماضي، لا يكررون الخطأ عينه، لا يقدسون بشرا ، ولا يرفعون فكرة الى مرتبة التقديس، ولا يتسلون بحوار الحضارات ، ولا يكثرون المقامات، بل يعبرون من صحراء حياتهم الى ملء الحياة، فيتجاوزون المسالك ليبلغوا مصاف الخلق…ليعودوا الى المبدأ…

 

إن خلاص الإنسانية لن يأتي من العلم ، ولا من الثورات ، ولا من الحروب، ولا من الاقتصاد، ولا من الغرب ولا من الشرق، إن خلاص الانسانية الموجوعة يأتي من الغرباء في أقوامهم ، من المنفردين في رؤيتهم، من الحكماء، الذين لا يندرجون في الجمع الراكن لأفكار ما عادت معاشة.
إن إنقاذ الإنسانية يصنعه من لا يدخلون في كهف العوام، بل المبدعون حتى استقطاب الشعوب…

حينئذ ترقى الانسانية ويصلب المبدع … هل فهمتم ؟ إن الله مفرد بذاته، محتجب في وصل وفصل… وليس الله إله المعتقدات … وليس إله الاحزاب… وليس منافس العلم… وليس عدو العقل… تشفى الإنسانية من أدرانها إن هي فهمت أن جائحة كورونا هي المحطةًالفاصلة بين إنسان الحداثة الذي فشل والإنسان الجديد الصاعد … من كان ليظن أن وباء غاشما سيكون طريق التحرر ودرب النور….

البروفسور هدى نعمة

 

عن البروفسور هدى نعمة

هدى مطر نعمة - أستاذة جامعية في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة الروح القدس – الكسليك، رئيسة سابقة لمجلس البرامج في جامعة الروح القدس الكسليك باحثة في الفكر العربي الحديث والمعاصر، والحوار الإسلامي المسيحي، وفي شؤون الإدارة التربوية. عميد سابق لكلية الفلسفة والعلوم الإنسانية ، نائب رئيس سابق  للشؤون الثقافية في جامعة الروح القدس – الكسليك. حاليّاً استاذة كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية في جامعة الروح القدس، الكسليك
اتصل بنا
close slider