خان التماثيلي في ميناء طرابلس – لبنان تحوّل إلى بيوت للفقراء. هنا أيضاً جمالٌ وعلمٌ وعبقرياتٌ مخفية. قد تخيف الأجنبي سائحًا كان أو مستكشفًا، حتى لو كان رفيق الدرب الى البيوت هذه صديق يعرف شارع الفقر هذا. الخان هذا الذي كان على ايام المماليك والعثمانيين، لا يحمل من العثمانيين الا الاسم والطبقتين. لا شئ يدل لا على الخيول، ولا على التجارة، ولا حتى الى شكل فندق كان في ما مضى يستقبل فيه التجار.
جماله ليس بالكذبة التي تصنعها الصحف او مواقع التواصل الاجتماعي كمحاولة لتجميل “اصورة” البلدية او وزارة الثقافة بل بأم مصطفى، عمر وغيرها من العائلات التي تحولت جزءا من تشوّه الحفاظ على الاثار هذه وان وشت بشئ فهي تقصير الدولة بالنسبة إلى الغريب قبل ابن البلد الذي يعرف فساد البلاد وقصصه. في رحلة البحث عن آثار مدينة طرابلس، تلك التي سمعت عنها كثيرًا في مقابلات صحفية، ام محتفظًا بذكريات الطفولة الجميلة، تدقق بكل أثر علّك “تبيّض” وجهك قبل سمعة بلدك في عين الأوروبي، تلتقط اسم هذا الموقع كمن وجد قصة تستحق الهرولة من اجلها فتفاجأ ليس بالمنظر فحسب، ولا بمشهد شاحنة الاعاشات التي على ما يبدو تقدمها جمعية “العزم” لابناء الشارع بالجرم المشهود، بل كيف تتم المحافظة على الاثار هذه او بالاحرى أي اثار هنا؟ بدل الأمير، عائلات استوطن البعض دون ان يغطي جسده باعتبار ان رحلتك هذه هي في يوم العطلة والبعض يريح جسده في منزله وتلك حريته الشخصية.
لكن ما دخل الاثار هنا في هذا النقاش الاجتماعي؟ كيف اصبح اصلًا لمواطنين الحقّ في السكن ها هنا؟ تحاول ايجاد تبرير للاجنبي، أخطأنا في الشارع ! تقول في نفسك انها حجة غير مجدية باعتبار ان كل من صادف مروره ودلّ على الاتجاه كان من سكان المدينة والدليل رجل عجوز اعتبر الزوار ضيوفه. تراقب مشهد النفايات المنتشرة بدل الخيول، والغسيل، وتلبك السكان عن يمينك وشمالك خوف الأجنبي ورعبك من ان يطل عليك “داعشي”، لتلازم الفقر مع احتمال الجذب الارهابي، ويثبت لاحدى السفارات تلوينه بالاصفر الخريطة السياحية هذه التي تقع طرابلس فيها واصرارك بانها منطقة آمنة لثقتك بهذا الناشط ام ذاك فتستنجد بانفتاحك على مشاهد الفقر علّهم يضيفون روح “النكتة” امام رجلٌ لا يفهم العربية وكل ما يحصل امامه ليس الا اشارة تؤكد على قول سفارته.
تاكسي؟ تسأل علّك تهرب من مشهد الاحراج هذا، فحتى التاكسي لصداقته مع السكان يخيف الاجنبي، الذي فضل السير نحو قلعة طرابلس… التي بدورها تستقبلك يوم الأحد دون تذكرة، ويفاجأ هذا الاجنبي بثكنة الجيش، حولّت القلعة الاثرية الى سرية لو اجتهدت لما تحولت الى لجنة آثار بل الى موقع قتال مموّه قريب من باب جبل محسن ومستعد ان يفض أي إشكال مسلح. كان لا بد على المماليك التفكير ببناء سور كسور البترون حول القلعة التي تنتشر السجون فيها علّها تصبح شاهدًا على الحروب الموزعة في كتب التاريخ حتى حاضرنا. المهم في كل هذا، كيف نفسر لهذا الاجنبي “كذب” الألوان على الخريطة الذي اردت اثباته؟