كما تقول فيروز ….. بحبّك يا لبنان
“أهلا وسهلا سعادة السفير” بهذه الكلمات استقبلني فريقي مرحّباً في مطار بيروت – “شكراً، نادني كريس، وحدثوني بالعربية” بادرت بالجواب. هذا كان منذ 5 أسابيع فقط، ويبدو وكأنّه منذ زمن أبعد بكثير.
يشتهر لبنان بضيافته الملفتة وجماله الأخّاذ ومطبخه الرائع. أنا على يقين اليوم أنّه يستحق كلّ المديح. وبتّ أعرف لما الليدي هستر ستانهوب في القرن التاسع عشر لم تتركه أبداً، ولما مواطنون بريطانيون التقيتهم بضعة أسابيع خلت في الأشرفية بقوا فيه خلال الثمانينات، ولم الكثير من موظفي السفارة البريطانيين يعيشون فيه أو يعودون إليه باستمرار. يسحرك هذا المكان.
استقرّيت وعائلتي في بلدكم المميّز بشكل ممتاز. فقد زرت وزوجتي لبنان من قبل، ورغبنا في العيش هنا منذ سنوات – وقد تحّققت آمالنا. لا منازع لجمال الشوف ولعجائب البقاع ولطلّة الساحل المتوسّطي.
كلّ منا أخذ لنفسه شيئاً خاصاّ من هذه الأسابيع الأولى. ولكنّ العنوان العريض للعائلة كانت “اللغة العربية”. تعلّم ولديّ أغنيتهما الأولى (“في سبعة أيّام” هي المفضّلة لديهما)، وبدأت زوجتي صفوف اللغة العربية لتتعمّق بدراستها، أمّا أنا فخضعت لامتحاناتي في المجلس الثقافي البريطاني (لم تعلن النتائج بعد!).
معاناتي الوحيدة هي أمرين اثنين. الأوّل هو نمط الحياة الاجتماعية؛ فاللبنانيون لطفاء جداّ ومرحّبين (شكراً للجميع) لدرجة أنّ المناسبات الاجتماعية بتنافس مستمرّ في معظم الليالي، كما دعوات العشاء. كلّها مناسبات مغنية – وقد تعلّمت أنّه إذا أمطرت السماء في حفل يقام في الهواء الطلق، ذلك فال خير. اطمأنيت لقدرتي على الاستفادة من ست ساعات ونصف من النوم – فرئيسة الوزراء تاتشر كانت تعيش على 4 ساعات فقط، غير أنّ ذلك لا يمكن أن ينطبق عليّ مطلقاً. كما يسرّني أنّ وزني لم يزد إلّا كيلوغرامين خلال الأسابيع الخمسة، ولكن أعتقد أنّ هذه الأرقام لا تنذر بالخير على المد الطويل.
الأمر الثاني هو أنّني لم أستطع رؤية ما يكفيني خارج بيروت وهو ما يتصدّر سلّم أولويّاتي للأسابيع القادمة، إذ أتطلّع فعلاً لمقابلة الكثيرين منكم في رحلاتي تلك. فكما كتب جبران خليل جبران: “ولا تنسوا أن الأرض تهتز لمسّ أقدامكم العارية، وأن الرياح تحن إلى مداعبة شعوركم المرسلة”.
هميّ الأوّل منذ وصولي كان الاستماع والتعلّم. وهناك الكثير لأعرفه والكثير لأناقشه والجميع مستعدّ لمشاركتي في ذلك. عليك أتقان فنّ الاستماع في لبنان: فمن بين كلّ البلدان التي زرتها، يبدوهنا أنّه عليك معرفة الأمور من كلّ زواياها.
واحد من أهمّ امتيازات كوني السفير البريطاني في لبنان هو فريق العمل والبرامج إذ نستطيع من خلالهما العمل والتعاطي مع الكثير من اللبنانيين والرسميين في بلدكم. زيارة حامات لتنهئة الجندي اللبناني رقم 10000 الذي خضع للتدريب ورؤية مدى تأثير برنامج التدريب هذا، كانت شرف لي؛ بقدر ما يدهشني تأثير برامج السفارة ووزارة التنمية الدولية والمجلس الثقافي البريطاني في مجال التربية وتقديم الخدمات وتحسين حياة من هم أكثر حاجة. مع شركاء آخرين، نقوم بنزع الألغام في البقاع والجنوب ومنه ننقذ حياة العديدين. وسنستمرّ بعملنا كلّه هذا.
أتطلّع إلى المستقبل وأنا مدرك أنّ المملكة المتحدة ولبنان سيكونان أكثر ارتباطاً مع الوقت. التقيت مقدّمي طلبات منحة تشيفننغ ممتازين )انتهاء مدّة تقديم الطلبات في 6 نوفمبر: أسرعوا!)، هم سيشكلون حافز التغيير في المستقبل وأتمنّى أنّ يكملوا دراسة الماجستير في المملكة المتحدة بواسطة منح كاملة. فعدد الطلاب اللبنانيين الذين يرتادون جامعات بريطانية بتزايد مستمر.
كما التقيت أيضاً رجال وسيدات أعمال بارزين وتحدّثنا في إمكانية توسيع إطار التجارة وسألتقي أعضاء غرفة التجارة في بيروت وجمعية مصارف لبنان الأسبوع المقبل، وهم العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. ونعمل مع السفارة اللبنانية في المملكة المتحدة لإنجاح منتدى الاستثمار والأعمال البريطاني-اللبناني قدر المستطاع، الذي سيقام في لندن في كانون الأول. نأمل أن تتشكّل حكومة قريباً – أعربنا عن سبل دعمنا للحكومة، ونحن على استعداد بالبدء بذلك ما أن يتطلّب الأمر.
إذاً، على المستوى الشخصي والعملي، أنا فعلاً ممتنّ لكلّ من ساعدني وعائلتي في الأسابيع الأولى هذه وعرض لي مقاربات حكيمة للأمور. أتطلّع للقاء العديد والعديد منكم في الأسابيع القادمة والأشهر والسنين ولأشهد على عيد استقلال لبنان الخامس والسبعين الشهر المقبل.