2024/03/29 15:00

ثمن الحرية – بقلم ايلي مطر

سألت جدّي، ذات يومٍ، عن شبابه. استهل كلامه بدمعةٍ كادت ان تغدر عينه وتنحدر على خدّه المطبوع بخطوط الزمن. كان التحسّر واضحاً في نظراته والحنين ساكناً كيانه.

“ما هو برأيك ثمن الحرّية؟” سألني جدّي. عجز الكلام عن الخروج من فمي في بادئ الامر. بعد صمتٍ وجيز وتفكير عميق اجبته بان الحرية لا تُقدّر بثمن. فالله خلقنا لنكون احرار في خياراتنا، رسم لنا الخط الرفيع الذي يفصل بين الخير والشر وترك لنا حريّة اختيار سبيلنا. تنهّدت وتابعت كلامي قائلاً ان الحرّية لا تعرف شكلاً واحداً، فهي تتجسد في التعبير وابداء الآراء، في اختيار الملابس وطريقة العيش. ولكن حريّة الفرد تتوقف عند حقوق الآخر. لا يحق للمواطن ممارسة حرّيته على حساب سعادة او مصالح افراد المجتمع. في بلدنا، الطبقة السياسية تمارس حرّيتها على حساب الشعب، وتقمع حريّة التعبير خشيةً من ان يطالب المواطنين بحقوقهم. فالحرّية في لبنان ملك السلطة الحاكمة، وحرية التعبير جنحة تؤدي بمرتكبها الى المحاكمة. ومع ذلك تبقى الحرية حق لكل مواطن، وهي لا تقدّر بثمن”. ضحك جدي ثم قال: “يا له من كلام شهمٍ وجميل. ولكن الواقع مختلف يا بني. طلبت مني ان اخبرك عن ايام شبابي وساخبرك عنها حالاً. عشنا خلال حربٍ اهلية دمرت الحجر و دمرت آمالنا بمستقبل مزدهر. اردنا بلد الديموقراطية والحرية وناضلنا من اجله في زمن الوصاية السورية. بالنسبة لك، الحرية لا تقدر بثمن ولكن دعني اقول لك ان حرّيتنا دفعنا ثمنها اجمل ايام حياتنا، دفع شهداءنا دماءهم في سبيل تحقيق هذه الحرية، ولكن ما زالت رهينة بيد الزعماء. حان الوقت لتستردوا ما هو لكم. ثوروا واسترجعوا حقكم! الحرية لكم، لا تستسلموا!”

والان بعد سنوات، عادت هذه المحادثة الى ذهني عندما سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي اخباراً على ان الدولة تقمع الفن وحرية التعبير. ففي النهاية، الحرّية المطلقة خطيرة وتؤدي الى الدمار، فعلينا ان نطالب بالحرية الواعية والمنطقية التي تحترم الاخر وتحترم فكره ومعتقداته الدينية والغير الدينية. فعدو الحرية هو الجهل:

“الجاهلة اذا قرأت عن الحُرية .. خلعت ملابسها”.

كاتب هذا المقال

إيلي مطر: يدرس حاليا الطب في جامعة الروح القدس الكسليك، السنة الخامسة. حصل علومه الثانوية في مدرسة القلب الأقدسين سيوفي عام 2015. تعهد بمساعدة المهمشين من المجتمع!

 

عن كاتب ضيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اتصل بنا
close slider